قال بعض الأئمة: تضمنت سورة الفاتحة:الإقرار بالربوبية والالتجاء إليها في دين الإسلام والصيانة
عن دين اليهود والنصارىوسورة البقرة تضمنت قواعد الدين
وآل عمران مكملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة إقامةالدليل على الحكم
وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فيها كثير
منالمتشابه لما تمسك به النصارى فأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنهمشروع وأمر بإتمامه
بعد الشروع فيه وكان خطاب النصارى في آل عمران كما أن خطاباليهود في البقرة
أكثر لأن التوراة أصل والإنجيل فرع لها والنبي صلى الله عليه وسلملما هاجر
إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر كما كاندعاؤه
لأهل الشرك قبل أهل الكتاب ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفقعليه الأنبياء
فخوطب به جميع الناس والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء منأهل الكتاب
والمؤمنين فخوطبوا بيا أهل الكتاب يا بني إسرائيل يا أيها الذين
آمنواوأما سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس وهي نوعان:
مخلوقة للهومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍوَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]
وقال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِوَالأَرْحَامَ} [النساء: 1]
نظر إلى هذه المناسبة العجيبة والافتتاحوبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها
ما في أكثر السورة من أحكام: مننكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام
وأن ابتداء هذا الأمر بخلق آدمثم خلق زوجته منه ثم بث منهما رجالاً كثيراً
ونساء في غاية الكثرة أما المائدةفسورة العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ومكملات
الدين والوفاء بعهود الرسل وما أخذعلى الأمة ونهاية الدين فهي سورة التكميل لأن فيها تحريم
الصيد على المحرم الذي هومن تمام الإحرام وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل
والدين وعقوبة المعتدين منالسراق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال
وإحلال الطيبات الذي هو منتمام عبادة الله ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد صلى الله
عليه وسلم والتيمموالحكم بالقرآن على كل ذي دين ولهذا كثر فيها لفظ الإكمال والإتمام وذكر فيها:
أنمن ارتد عوض الله بخير منه ولا يزال هذا الدين كاملاً ولهذا ورد أنها آخر ما
نزللما فيها من إرشادات الختم والتمام وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات منأحسن الترتيب: انتهى وقال بعضهم:
افتتحت البقرة بقوله:
{الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}
فإنهإشارة إلى الصراط المستقيم في قوله في الفاتحة:
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}
فإنهم لما سألواالله الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتهم
الهداية إليهكما أخرج ابن جرير وغيره من حديث على مرفوعاً: "الصِراطَ المُستَقيم كتاب الله"
وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود موقوفاً وهذا معنى حسن يظهر فيه سرارتباط البقرة بالفاتحة وقال الخوبي:
أوائل هذه السورة مناسبة لأواخر سورةالفاتحة لأن الله تعالى لما ذكر أن الحامدين طلبوا الهدى قال:
قد أعطيتكم ماطلبتم: هذا الكتاب هدى لكم فاتبعوه وقد اهتديتم إلى الصراط المستقيم
المطلوب المسئول ثم إنه ذكر في أوائل هذه السورة الطوائف الثلاث الذين
ذكرهم في الفاتحة:فذكر الذين على هدى من ربهم وهم المنعمعليهم والذين اشتروا الضلالة بالهدى وهمالضالون:
والذين باءوا أقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوهاً من هذه المناسبات:
أحدها: أن القاعدة التي استقر بها القرآن: أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلهاوشرح
له وإطناب لإيجازه وقد استقر معي ذلك في غالب سور القرآن طويلها وقصيرها وسورةالبقرة
قد اشتملت على تفصيل جميع مجملات الفاتحة فقوله: الحمد لله تفصيله: ماوقع فيها
من الأمر بالذكر في عدة آيات ومن الدعاء في قوله:
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]
وفي قوله:
{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِننَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَاحَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَطَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَافَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
[البقرة: 286]
وبالشكرفي قوله:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِيوَلاَ تَكْفُرُونِ}
[البقرة: 152]
وقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} تفصيله قوله:
{اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنقَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاًوَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَالثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْتَعْلَمُونَ}
[البقرة: 21-22]
وقوله: {هُوَالَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءفَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[البقرة: 29]
ولذلك افتتحها بقصة خلق آدم الذي هو مبدأ البشر وهو أشرف الأنواع منالعالمين وذلك وقوله:
{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
منقول